فصل: الخبر عن شأن يغمراسن مع الخلفاء من بني أبي حفص الذي كان يقيم بتلمسان دعوتهم ويأخذ قومه بطاعتهم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن انتزاء الزعيم بن مكن بيلد مستغانم:

كان بنو مكن هؤلاه من علية القرابة من بني زيان يشاركونهم في نسب محمد بن زكراز بن تيدوكس بن طاع الله وكان لمحمد هذا أربعة من الولد كبيرهم يوسف ومن ولده جابر بن يوسف أول ملوكهم وثابت بن محمد ومن ولده زيان بن ثابت أبو الملوك من بني عبد الواد ودرع بن محمد ومن ولده عبد الملك بن محمد بن على بن قاسم بن درع المشتهر بأمه حنينة أخت يغمراسن بن زيان ومكن بن محمد وكان له من الولد يحيى وعمرس وكان من ولد يحيى الزعيم وعلي وكان يغمراسن بن زيان كثيرا ما يستعمل قرابته في الممالك ويوليهم على العمالات وكان قد استوحش من يحيى بن مكن وابنه الزعيم وغربهما إلى الأندلس فأجازا من هنالك إلى يعقوب بن عبد الحق سنة ثمانين وستمائة ولقياه بطنجة في إحدى حركات جهاده وزحف يعقوب بن عبد الحق إلى تلمسان عامئذ وهما في جملته فأدركهما النغرة على قومها وآثرا مفارقة السلطان إليهم فأذن لهم في الانطلاق ولحقا بيغمراسن بن زيان حتى إذا كانت الواقعة عليه بخرزوزة سنة ثمانين كما قدمناه وزحف بعدها إلى بلاد مغراوة وتجافى له ثابت بن منديل عن مليانة وانكف راجعا إلى تلمسان استعمل على ثغر مستغانم الزعيم بن يحيى بن مكن فمتا وصل إلى تلمسان انتقض عليه ودعا إلى الخلاف ومالأ عدوه من مغراوة على المظاهرة عليه فصمد إليه يغمراسن وحجزه بها حتى لاذ منه بالسلم على شرط الإجازة إلى العدوة فعقد له وأجازه ثم أثره أباه يحيى واستقر بالأندلس إلى أن هلك يحيى سنة اثنتين وتسعين وستمائة ووفد الزعيم بعد ذلك على يوسف بن يعقوب وسخطه لبعض النزعات فاعتقله وفر من محبسه ولم يزل الاغتراب مطوحا به إلى أن هلك والبقاء لله وحده ونشأ ابنه الناصر بالأندلس فكانت مثواه وموقف جهاده إلى أن هلك.
وأما أخوه علي بن يحيى فأقام بتلمسان وكان من ولده داود بن علي كبير مشيخة بني عبد الواد صاحب شوراهم وكان منهم أيضا إبراهيم بن علي عقد له أبو حمو الأوسط على ابنته فكان منها ولد ذكر وكان لداود ابن اسمه يحيى بن داود استعمله أبو سعيد بن عبد الرحمن في دولتهم الثانية على وزارته فكان من شأنه ما نذكره في أخبارهم والأمر لله.

.الخبر عن شأن يغمراسن في معاقدته مع ابن الاحمر والطاغية على فتنة يعقوب بن عبد الحق والأخذ بحجزته:

كان يعقوب بن عبد الحق لما أجاز إلى الجهاد وأوقع بالعدو وخرب حصونهم ونازل أشبيلية وقرطبة وزلزل قواعد كفرهم ثم أجاز ثانية وتوغل في دار الحرب وأثخن فيها وتخلى له ابن أشقيلولة عن مالقة فملكها وكان سلطان الأندلس يومئذ الأمير محمد المدعو بالفقيه ثاني ملوك بني الأحمر ملكهم هو الذي استدعى يعقوب بن عبد الحق للجهاد بما عهد له أبو الشيخ بذلك فلما استفحل أمر يعقوب بالأندلس وتعاقب الثوار إلى اللياذ به خشيه ابن الأحمر على نفسه وتوقع منه مثل فعل يوسف بن تاشفين بابن عباد فاعتمل في أسباب الخلاص مما توهم وداخل الطاغية في اتصال اليد والمظاهرة عليه وكانت عالقة لعمر يحيى بن علي استعمله عليها يعقوب بن عبد الحق حين ملكها من يد أشقيلولة فاستماله ابن الأحمر وخاطبه مقارنة وعدا وأداله بشلوبانية من مالقة طعمة خالصة له فتخلى عن مالقة إليها وأرسل الطاغية أساطيله في البحر لمنع الزقاق من إجازة السلطان وعساكره وراسلوا يغمراسن من وراء البحر في الأخذ بحجزة يعقوب وشن الغارات على ثغوره ليكون ذلك شاغلا له عنهم فبادر يغمراسن بإجابتهم وترددت الرسل إليه من الطاغية ومنه إلى الطاغية كما نذكره وبث السرايا والبعوث في نواحي المغرب فشغل يعقوب عن شأن الجهاد حتى لقد سأله المهادنة وأن يفرغ لجهاد العدو فأبى عليه وكان ذلك مما دعا يعقوب إلى الصمود إليه ومواقعته بخرزوزة كما ذكرناه ولم يزل شأنهم ذلك مع يعقوب بن عبد الحق وأيديهم متصلة عليه من كل جهة وهو ينتهز الفرص في كل واحد منم متى أمكنه حتى هلك وهلكوا والله وارث الأرض ومن عليها سبحانه.

.الخبر عن شأن يغمراسن مع الخلفاء من بني أبي حفص الذي كان يقيم بتلمسان دعوتهم ويأخذ قومه بطاعتهم:

كان زناتة يدينون بطاعة خلفاء الموحدين من بني عبد المؤمن أيام كونهم بالقفار وبعد دخولهم إلى التلول فلما فشل أمر بني عبد المؤمن ودعا الأمر أبو زكريا بن أبي حفص بأفريقية لنفسه ونصب كرسي الخلاف للموحدين بتونس انصرفت إليه الوجوه من سائر الآفاق بالعدوتين وأملوه الكرة وأوفد زناتة عليه رسلهم من كل حي بالطاعة ولاذ مغراوة وبنو توجين بظل دعوته ودخلوا في طاعته واستنهضوه لتلمسان فنهض إليها وافتتحها سنة أربعين وستمائة ورجع إليها يغمراسن واستعمله عليها وعلى سائر ممالكها فلم يزل مقيما لدعوته واتبع أثره بنو مرين في إقامة الدعوة له فيما غلبوا عليه من بلاد المغرب وبعثوا إليه ببيعة مكناسة وتازى والقصر كما نذكره في أخبارهم إلى ما دانوا به ولابنه المستنصر من بعده من خطاب التمويل والإشارة بالطاعة والانقياد حتى غلبوا على مراكش وخطبوا باسم المستنصر على منابرها حينا من الدهر ثم تبين لهم بعد تناول تلك القاصية عليه فعطلوا منابرهم من أسماء أولئك وأقطعوهم جانب الوداد والموالاة ثم سموا إلى اللقب والتفنن في الشارة الملوكية كما تقتضيه طبيعة الدول وأما يغمراسن وبنوه فلم يزالوا آخذين بدعوتهم واحدا بعد واحد متجافين عن اللقب أدبا معهم مجددين البيعة لكل من يتجدد قيامه بالخلافة منهم يوفدون بها كبار أبنائهم وأولى الرأي من قومهم ولم يزل الشأن ذلك ولما هلك الأمير أبو زكريا وقام ابنه محمد المستنصر بالأمر من بعده وخرج عليه أخوه الأمير أبو إسحاق في أحياء الزواودة من رياح ثم غلبهم المستنصر جميعا ولحق الأمير أبو إسحاق بتلمسان في أهله فأكرم يغمراسن نزلهم وأجاز إلى الأندلس للمرابطة بها والجهاد حتى إذا هلك المستنصر سنة سبع وسبعين وستمائة واتصل به خبر مهلكه ورأى أنه أحق بالأمر فأجاز البحر من حينه ونزل بمرسى هني سنة سبع وسبعين وستمائة ولقاه يغمراسن مبرة وتوقيرا واحتفل لقدومه وأركب الناس لتلقيه وأتاه ببيعته على عادته مع سلفه ووعده النصرة على عدوه والمؤازرة على أمره وأصهر إليه يغمراسن في إحدى بناته المقصورات في خيام الخلافة بابنه عثمان ولي عهده وأسعفه وأجمل في ذلك وعده وانتقض محمد بن أبي هلال عامل بجاية على الواثق وخلع طاعته ودعا للأمير أبي إسحاق واستحثه للقدوم فأغذ إليه السير من تلمسان وكان من شأنه ما قدمناه في أخباره فما كانت سنة إحدى وثمانين وستمائة وزحف يغمراسن إلى بلاد مغراوة وغلبهم على الضواحي والأمصار بعث من هنالك ابنه إبراهيم وتسميه زناتة برهوم ويكنى أبا عامر أوفده في رجال من قومه على الخليفة أبي إسحاق لإحكام الصهر بينهما فنزلوا منه على خير نزل من اسناء الجراية ومضاعفة الكرامة والمبرة وظهر من آثاره في حروب ابن أبي عمارة ما مد الأعناق إليه وقصر الشيم الزناتية على بيته ثم انقلب آخرا بظعينته محبوا محبورا وابتنى بها عثمان لحين وصولها وأصبحت عقيلة قصره فكان ذلك مفخرا لدولته وذكرا له ولقومه ولحق الأمير أبو زكريا ابن الأمير أبي إسحاق بتلمسان بعد خلوصه من مهلك قومه في واقعة الدعي ابن أبي عمارة عليهم بمرما جنة سنة اثنتين وثمانين وستمائة فنزل من عثمان بن يغمراسن صهره خير نزل برا واحتفاء وتكريما وملاطفة وسربت إليه أخته من القصر أنواع التحف والإنس ولحق به أولياؤهم من صنائع دولتهم وكبيرهم أبو الحسن محمد بن الفقيه المحدث أبي بكر بن سيد الناس اليعمري فتفيؤا من كرامة الدولة بهم ظلا وارفا واستنهضوه إلى ثرات ملكه وفاوض أبا مثواه عثمان بن يغمراسن في ذلك فنكره لما كان قد أخذه بدعوة الحضرة أوفد عليه رجال دولته بالبيعة على العادة في ذلك فحدث الأمير أبو زكريا نفسه بالفرار عنه ولحق بداود ابن هلال بن عطاف أمير البدو من بني عامر إحدى بطون زغبة فأجاره وأبلغه مأمنه بحي الزواودة أمراء البدو بعمل الموحدين ونزل منهم على عطية بن سليمان بن سباع كما قدمناه واستولى على بجاية سنة أربع وثمانين وستمائة بعد خطوب ذكرناها واقتطعها عن ملك عمه صاحب الدولة بتونس أبي حفص ووفى لداود بن عطاف وأقطعه بوطن بجاية عملا كبيرا أفرده لجبايته كان فيه ايقداران بالخميس من وادي بجاية واشتغل الأمير أبو زكريا بمملكة بونة وقسنطينة وبجاية والجزائر والزاب وما وراءها وكان هذا الصهر وصلة له مع عثمان بن يغمراسن وبنيه.
ولما نازل يوسف بن يعقوب تلمسان سنة ثمان وتسعين وستمائة وبعث الأمير أبو زكريا المدد من جيوشه إلى عثمان بن يغمراسن وبلغ الخبر بذلك إلى يوسف بن يعقوب فبعث أخاه أبا يحيى في العساكر لاعتراضهم والتقوا بجبل الزاب فكانت الدبرة على عسكر الموحدين واستلحموا هناك وتسمى المعركة لهذا العهد بمرسى الرؤوس واستحكت من أجل ذلك صاغية الخليفة بتونس إلى بني مرين وأوفد عليهم مشيخة من الموحدين يدعوهم إلى حصار بجاية وبعث معهم الهدية الفاخرة وبلغ خبرهم إلى عثمان بن يغمراسن من وراء جدرانه فتنكر لها وأسقط ذكر الخليفة من منابره ومحاه من عمله فنسي لهذا العهد والله مالك الأمر سبحانه.